الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة الرجل يقول للرجل لا أب لك: قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه كلام ظاهره السب والمراد به المدح، وذلك مثل قولهم للذي يأتي بالشيء الغريب الحسن: فعل فلان كذا وكذا قاتله الله، ومثله قوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا له» لا يريد بذلك الدعاء عليه ومثله قوله: تربت يمينك وما أشبه ذلك. .مسألة شرب النبيذ إن كان حلوا: قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الروايات إلا ليتخذونه ولا ينتبذونه ومعناه أن يتخذونه وينتبذونه لأن اللام زائدة، ومثل هذا في الكلام كثير، وفي القرآن قال تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1] معناه: أقسم، وقال: لئلا يكون، معناه: ليكون، وقد بين في الرواية وجه الكراهة في ذلك بما لا مزيد عليه. .مسألة قال لرجل كذبت وأثمت: وسئل عن رجل قال لرجل: كذبت وأثمت، قال: إن لم يكن كذوبا ولا آثما وكان من مراة الناس، فأرى أن يقرر بالسوط، هذا أشد من الشحيح، الكذب خبيث، وذلك يختلف أن يختصم رجلان فيقول أحدهما لصاحبه في شيء يقول في خصومتهما: كذبت وأثمت، فهذا مخالف للذي يأتي الرجل ليس بينه وبينه عمل فيكذبه، وسئل عمن قال لرجل: إنك لشحيح بخيل، قال: أرى أن ينهى عنه ولا أرى عليه ضربا. قال محمد بن رشد: قوله أرى أن يقرر بالسوط إذا قال له كذبت وأثمت، معناه إذا قال ذلك له في مشاتمة فهو بمنزلة قوله له يا كذاب، وأما إن نازعه في شيء فقال له: أنت في هذا كاذب آثم فلا يجب عليه في ذلك أدب إلا أنه ينهى عن ذلك ويزجر عنه إن كان لا يتعلق به حق فيما نازعه فيه، ويجري قول الرجل للرجل: يا كذاب، على التفصيل الذي ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا في قوله له: يا كلب، وبالله التوفيق. .مسألة قال لعبده اذهب فقل لفلان إن فلانا يقول لك يا ابن الفاعلة فذهب فقال له: قال محمد بن رشد: أما إذا أنكر الآمر ولم تقم عليه بينة فلا اختلاف في أنه يحد المأمور، وأما إذا أقر الآمر أو قامت عليه بذلك بينة فاختلف في حد المأمور، قال ابن القاسم في هذه الرواية: إنه لا يحد، وقال مطرف وابن الماجشون: إنه يحد؛ لأنه قد قاله له، وذلك أشد من التعريض، وكذلك إن جاءه من عنده في ذلك بكتاب وهو يعرف ما فيه، ومثله في كتاب ابن المواز، قال: ومن حمل إلى رجل كتابا من رجل وفيه يا ابن الفاعلة فدفعه إليه، فإن كان يعرف ما فيه حد، وهو أشد من التعريض، وأما من قال لرجل: إن فلانا يزعم أنك زان، إن قاله له في مشاتمته ومخاصمته حد، وإن أتى بالبينة على قول فلان، وإن قاله مخبرا فلا حد عليه إن أتى بالبينة على قول فلان، قاله ابن الماجشون، ولا اختلاف في هذا، وبالله التوفيق. .مسألة قال لعبده أو لرجل حراذهب فاقذف فلانا فذهب فقذفه: قال محمد بن رشد: قال ابن الماجشون في الواضحة وسواء في عبده قال له اقذف فلانا أو قال له: قل يا ابن الفاعلة؛ لأن عبده كنفسه لما يلزمه من خوف سيده، وأما في الأجنبي فتفترق ذلك فيه، إن قال له اقذفه، حد المأمور ولم يكن على الآمر حد، وإن قال له قل يا ابن الفاعلة أو يا زان أو يا ولد زنا حدا جميعا، وقوله بين يحمل على التفسير لقول ابن القاسم، ويدخل في العبد اختلاف بالمعنى من قول ابن وهب في تفرقته بين العبد الفصيح والأعجمي إذا قال اقتل فلانا فقتله، فيأتي على قياس قوله: إنه إن كان فصيحا حد هو حد القذف دون سيده، وإن كان أعجميا حد السيد ولم يحد هو، ووجه قوله: إنه لم يعذره إذا كان فصيحا في طاعة سيده فيما أمره به من قتل أو قذف إذ لا يجب عليه طاعته في ذلك، وعذره إذا كان أعجميا بالجهل، وبالله التوفيق. .مسألة رجلا حرا أمر رجلا حرا أن يقتل رجلا فقتله: قال محمد بن رشد: هذه المسألة تشتمل على ست مسائل: إحداها: أن يأمر الرجل رجلا حرا أو عبدا لغيره بقتل رجل فيقتله، والثانية: أن يأمر الرجل عبده بقتل رجل فيقتله، والثالثة: أن يأمر الإمام بعض أعوانه بقتل رجل ظلما فيقتله، الرابعة: أن يأمر الرجل ابنه الذي في حجره ومن بلغ الحلم بقتل رجل فيقتله أو الصانع لمتعلميه والمؤدب لمن يؤدبه والخامسة: أن يكون مراهقا لم يبلغ الحلم مثله يتناهى عما ينهى عنه، والسادسة: أن يكون ذلك في السن في حد الإثغار أو فوقه، فأما إذا أمر الرجل رجلا آخر أو عبدا لغيره بقتل رجل فقتله فلا اختلاف في أنه يقتل القاتل ويضرب الآمر مائة ويسجن سنة، وأما إذا أمر الرجل عبده بقتل رجل فقتله فإنهما يقتلان جميعا عند ابن القاسم، ثم يختلف في ذلك قوله: كان العبد فصيحا أو أعجميا، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أن ابن وهب كان يقول من أمر عبده الأعجمي بقتل رجل فقتله فعلى السيد وحده القتل وعلى العبد جلد مائة وحبس سنة، وأما عبده الفصيح فالقتل على العبد وحده ويجلد السيد مائة ويسجن سنة، قال أصبغ: وهو استحسان، وقولنا أن يقتلا جميعا السيد والعبد كان أعجميا أو فصيحا، وأما إذا أمر الإمام بعض أعوانه بقتل رجل ظلما فقتله فلا اختلاف في أنهما يقتلان جميعا، وأما إن أمر الأب ابنه الذي في حجره وقد بلغ الحلم أو أمر الصانع بعض متعلميه ممن قد بلغ الحلم أو المؤدب بعض من يعلمه ممن قد بلغ الحلم بقتل رجل فقتله، فاختلف في ذلك قول ابن القاسم، روى يحيى عنه في هذه الرواية أنه يقتل القاتل ويبالغ في عقوبة الآمر، وروى سحنون عنه أنهما يقتلان جميعا، وأما إن كان مراهقا لم يبلغ الحلم مثله يتناهى عما ينهى عنه فإن الآمر يقتل ويكون على عاقلة الصبي القاتل نصف عقل المقتول عند ابن القاسم، فإن كثر الصبيان المأمورون كانت الدية على عواقلهم وإن لم يصر على عاقلة كل واحد منهم إلا أقل من ثلث الدية، وقد كان ابن القاسم يقول: إن على عاقلة الصبي الدية كلها. قال أبو محمد: ولا يعجبني، قال أبو محمد: يريد: ولا يؤدب، وقال أصبغ: من رأيه في هذه الرواية لا قتل على واحد منهما، وهو من الخطأ كما لو أمر غير ولده بذلك، قال في كتاب ابن المواز: ويضرب الآمر مائة سوط ويسجن سنة، ويضرب الغلام ضربا صالحا بقدر احتماله إلا أن يكون الأب أو المعلم أو المؤدب مباشرا لذلك ومسددا له ومغريا به فحينئذ يجب القتل عليه، وأما إن كان دون ذلك في السن فلا اختلاف في أن الآمر يقتل، ويكون على عاقلة الصبي الصغير نصف العقل، وبالله التوفيق. .مسألة وطئ امرأة بملك اليمين ممن تحرم عليه بالرضاعة: فإن قال قائل: إن العمة وبنت الأخت ممن لا يعذر أحد فيهن بالجهالة وقد أسقطت عنه الحد بالملك فإنه كما قال، ولكن العمة والخالة وبنت الأخ ممن لا يعتقن عليه، وهن لما يملكهن؛ فلذلك أسقطت عنه الحد بالملك، ولا يجتمع حد وملك، ولو حددته فيهن في النسب لحددته فيما يملك من أخته وأمه في الرضاعة، فهذا وجه ما سمعت في ذلك والله أعلم، قال ابن القاسم: إلا أن يعذر أحد فيمن يعتق عليه بجهالة فأرى أن يدرأ عنه الحد ويلحق به الولد ويعتق عليه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها لا اختلاف في شيء منها إلا في قوله: إذا وطئ أمة من ذوات محارمه بنسب أو رضاع فحملت منه أنه يعجل عتقها عليه، فمن الناس من يقول: إنه يستخدمها بالمعروف ولا تعتق عليه، وقع ذلك في رسم الفصاحة من سماع عيسى من كتاب الاستبراء من أمهات الأولاد. واختلف في المذهب في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما فتحمل ولا مال له فيتمسك شريكه بنصيبه أو يباع على الواطئ فيما لزمه من نصف قيمتها على الاختلاف في ذلك، هل يعتق على الواطئ نصيبه منها أم لا؟ فقال ابن القاسم في المدونة: إنه يعتق عليه نصيبه منها إذ ليس له استخدامها ولا يعذر على وطئها، وقال غيره فيها: إنه لا يعتق عليه نصيبه لا أن يعتق الشريك نصيبه إذ قد تشتريه فيحل له وطؤها، وعلى قول بعض الناس لا يعتق عليه نصيبه بحال، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق. .مسألة جاءت تدمي فادعت أن رجلا من أهل الفسق اغتصبها: ولو أن امرأة جاءت تدمي فادعت أن رجلا من أهل الفسق اغتصبها لم تأخذ من صداقها شيئا ولو كان أشر من عبد الله الأزرق في زمانه إلا أن يشهد على أخذه إياها، كأنه يقول فتحلف وتأخذ الصداق، قال: وإلا فحسبها أن تدفع الحد عن نفسها بذلك إن جاءت تدمي، قال ابن القاسم: قال مالك: وينظر الإمام في ذلك فإن رآه أهلا للعقوبة عاقبه، قال أصبغ: سألت ابن القاسم فقلت له المغتصبة التي يجب لها الصداق على من اغتصبها هل يجب ذلك لها بشهادة رجلين؟ قال لي لا يجب ذلك عليه إلا بما يجب به الحدود، وذلك أربعة شهداء، وإلا كانوا قذفة يجلدون الحد، قال سحنون، قال ابن القاسم: لو شهد رجلان أنهما رأيا رجلا اغتصب امرأة فأدخلها منزلا وغاب عليها وشهدا على ذلك فادعت المرأة أنه أصابها وأنكر ذلك الرجل حلفت المرأة مع شهادتهما واستوجبت الصداق صداق مثلها ولم يكن عليه في ذلك حد. قال محمد بن رشد: أما إذا ثبت اغتصابه لها ومغيبه عليها، فلا اختلاف في أن القول قولها في أنه وطئها وتستوجب بذلك صداق مثلها، وكذلك إن كانوا جماعة فادعت ذلك على كل واحد منهم تأخذ من كل من ادعت عليه منهم أنه وطئها صداق مثلها، قيل بيمين وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، وقيل بغير يمين وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز وقول مالك في سماع أشهب من كتاب الغصب، ويثبت اغتصابه لها ومغيبه عليها بشهادة شاهدين على ما قاله في رواية سحنون هذه عنه، وقوله في رواية أصبغ هذه عنه أن المغتصبة التي يجب لها الصداق على من اغتصبها لا يجب ذلك لها إلا بما تجب به الحدود وذلك أربعة شهداء معناه على معاينة الوطء، وذلك بين من قوله: وإلا كانوا قذفة يجلدون الحد، فالصداق يجب لها بدعواها مع ثبوت مغيبه عليها، ولا يجب عليه الحد بذلك، وإنما يجب الحد بأربعة شهداء على معاينة الوطء، وإذا وجب الحد بذلك وجب به الصداق أيضا، وأما إذا ادعت عليه أنه اغتصبها وغاب عليها ولم يعلم ذلك إلا بقولها فيفترق الأمر في ذلك بين أن تأتي متشبثة به وهي تدمي إن كانت بكرا، أو لا تأتي متشبثة به وبين أن تدعي ذلك على من لا يليق به ذلك أو على من يليق به، وقد مضى القول على ذلك مستوفى في أول سماع أشهب من كتاب الغصب فأغنى ذلك عن إعادته. .مسألة أتى الحر إلى سيد العبد فقال قذفني أفبأمرك هذا قال نعم: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في هذا الرسم، وقد مضى أنه يدخل في ذلك اختلاف بالمعنى من قول ابن وهب في تفرقته بين أن يكون العبد فصيحا أو أعجميا. .مسألة السلطان إذا سمع الرجل يفتري على رجل أو رآه على حد من الحدود: قال محمد بن رشد: قوله: إن السلطان إذا سمع الرجل يفتري على رجل أو رآه على حد من الحدود: إنه يرفعه إلى من فوقه ويكون شاهدا، هو مثل ما في المدونة وغيرها، ولا اختلاف في ذلك، إذ لا يقضي القاضي بعلمه لا في الأموال ولا في الحدود، وفرق أهل العراق بين الأموال والحدود، فقالوا: ينفذ الإقرار في ولايته ولا ينفذ الحدود. والإقرار ينقسم على ثلاثة أقسام، فما كان منه قبل ولايته لا يقضي به عند الجميع، وما كان منه في ولايته في غير مجلس الحكم يقضي به عند أهل العراق، وما كان منه في مجلس الحكم بين المتخاصمين يقضي به عند مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون، وهو دليل قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بما أسمع منه»، خلاف مذهب مالك وابن القاسم، وقوله في الرواية: إن العفو يجوز في القذف إذا سمعه الإمام لأنه شاهد، هو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وقد مضى الاختلاف في ذلك في أول سماع أشهب فلا معنى لإعادته. .مسألة افترى على قوم فلم يقم به حتى أخذ في شرب خمر فجلد الحد: قال محمد بن رشد: هذا مذهبه في المدونة وروايته عن مالك؛ لأنه قال فيها: إنه إذا قذف وسكر أو شرب الخمر ولم يسكر جلد حدا واحدا، فرأى أن حد الشرب والفرية يتداخلان فينوب أحدهما على الآخر؛ لأنهما من جنس واحد، بدليل أن حد الشرب إنما أخذ من حد الفرية بقول علي بن أبي طالب لبعض الصحابة: إذ استشار عمر بن الخطاب في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى، أو كما قال، وجلد عمر بن الخطاب في الخمر ثمانين، وكذلك إذا قذف الرجل جماعة مفترقين أو مجتمعين فحد لهم أو لأحدهم فذلك لكل قذف تقدم قام طالبوه أو لم يقوموا في مذهب مالك وجميع أصحابه إلا المغيرة- فإنه قال: إن قاموا جميعا فحد فذلك حد لهم أجمعين، وإن قاموا مفترقين حد لكل واحد منهم، وقول المغيرة هو القياس؛ لأنهم قد قالوا: إن القتل يأتي على جميع الحدود إلا الفرية فإنه يجلد فيها ثم يقتل، لما في ذلك من حق المقذوف؛ لأنه تعرض له بذلك فيقال له: إنك كذلك إذ لم تحده، فإذا لم يسقط حد المقذوف بالقتل فأحرى ألا يسقط بحده في الشرب أو بحده لغيره، والحجة لمالك في أنه ليس على قاذف الجماعة إلا حد واحد، أن قاذف المحصنة قاذف للذي زناها، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الآية، فلم يوجب على قاذف المحصنة إلا حدا واحدا، وقد جلد عمر أبا بكرة وأصحابه حدا واحدا ولم يحدهم للمرأة، وسواء على مذهب مالك وأصحابه قذف الجماعة في كلمة واحدة أو مفترقين، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال الشافعي: يحد لكل واحد منهم قذفهم في كلمة واحدة أو مفترقين، وفرق ابن أبي ليلى بين أن يقذفهم في كلمة واحدة أو في مجالس شتى، وقال ابن المواز: ومن قال لجماعة أحدكم زان أو يا ابن زانية فلا يحد إذ لا يعرف من أراد، وإن قام به جماعتهم فقد قيل لا حد عليه، ولو قام به أحدهم فادعى أنه أراده لم يقبل منه إلا بالبيان أنه أراده، ولو عرف من أراد لم يكن للإمام أن يحده له إلا بقيامه عليه، قال: ومن قذف من لا يعرف فلا حد عليه، وقول ابن المواز في الذي قال لجماعة أحدكم زان إلى آخر قوله بين كله إلا ما حكاه من أنه قد قيل: إنه لا يحد وإن قام به جماعتهم، فهو بعيد؛ لأنه يعلم أنه قد قاله لأحدهم، فلا حجة له إذا قام عليه جميعهم، ووجه على ما فيه من البعد أنه لما كان المقذوف لا يعرف من هو منهم لم يحد إنما هو لإسقاط المعرة عن المقذوف والمعرة لم تلحق بواحد منهم بحينه فيحد له ولا لجميعهم إذ لم يقذف إلا واحدا منهم، وأما إذا قام به أحدهم فمن حجته أن يقول: لم أرد إلا سواك ممن لم يقم، وبالله التوفيق. .مسألة قال لرجل يا زوج الزانية وتحته امرأتان فعفت واحدة وقامت الأخرى تطلب حدها: وسألت ابن القاسم عن رجل قال لرجل يا زوج الزانية وتحته امرأتان فعفت واحدة وقامت الأخرى تطلب حدها، قال: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا الله هو ما أردت بالقذف إلا التي عفت ويبرأ، فإن نكل قال: يحد إن نكل. وكذلك لو كانت له امرأة واحدة وقد ماتت له امرأة فقالت، فقامت امرأته الحية بحدها لكان القول قوله مع يمينه أنه إنما أراد التي قد ماتت. قال ابن المواز: من قال يا قران؛ فعليه الحد إن قامت به امرأته؛ لأن القران عند الناس زوج الفاعلة، قال أبو بكر بن محمد: وقاله ابن القاسم، ولم ير يحيى بن عمر فيه حدا، وقال يعزر عشرين سوطا. وقال يحيى بن عمر فيمن قال لامرأة يا قحبا: إنه يحد، ومن رمى امرأته بامرأة ثانية أدب أدبا موجعا، ولعل يحيى بن عمر لم يتحقق أن القران عند الناس زوج الفاعلة كما تحقق عندهم أن القحبا الزانية، وإلا فذلك اضطراب من قوله، وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يقذف الرجل المسلم وأبواه نصرانيان: قال محمد بن رشد: معناه: إذا قال له يا ابن الزاني ويا ابن الزانية، وأما إن قال له يا ولد الزنا أو لست لأبيك أو يا زان فالحد عليه واجب، وبالله التوفيق. .مسألة يقيم الرجل الحدود على عبيده وإمائه في الزنا: قال ابن القاسم: يقيم الرجل الحدود على عبيده وإمائه في الزنا ولا يقيمها عليهم حتى يشهد أربعة شهداء سواه، ولا يقيم على أمته إذا كان لها زوج، كان زوجها عبدا أو حرا، إلا أن يكون زوجها عبده فإنه يقيم عليها الحد إذا كان زوجها عبده، قال ابن القاسم: لأنه يقيم عليه وعليها، ولا يقيم على زوجها إذا لم يكن عبده، ولا على أمته إلا السلطان. قال محمد بن رشد: هذا صحيح بين على معنى ما في المدونة وغيرها، والأصل في ذلك «قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لما سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير» فالرجل يقيم حد الزنا والقذف والشرب على عبيده وإمائه، كانوا متزوجين أو غير متزوجين إلا أن يكون للأمة زوج حرا أو عبدا لغيره فلا يقيم عليها حد الزنا إلا السلطان؛ لما يتعلق بذلك من حق الزوج، ولا يقيم عليه الحد في السرقة ولا في القتل، وهذا كله ما لا اختلاف فيه. .مسألة يطؤها بعد التطليقة ويقول ظننت أن الواحدة لا تبينها مني: وسألته عن الرجل يطلق امرأته التي قد دخل بها واحدة فتحيض ثلاث حيض فتبين منه ثم يدخل عليها فيطؤها فيدعي أنه جاهل أو أنه كان رأى أن ذلك يجوز له، وتدعي ذلك المرأة أو لا تدعي جهالة وليس هو من أهلها والمرأة ليست بجاهلة أو هو جاهل والمرأة ليست بجاهلة، فقال ابن القاسم: من كان منهما ممن يعذر بالجهالة لم يكن عليه الحد ومن أقر منهم أنه عالم وأقر بمعرفة ذلك وأن ذلك عليه حرام أقيم عليه الحد، قال: وإن كان ممن لا يعذر بجهالة والمرأة ممن تعذر بالجهالة فإنه يقام عليه الحد ويؤخذ لها من ماله الصداق، وإن كان هو والمرأة عالمين أقيم عليهما الحد ولم يكن لها صداق. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة؛ لأنه قال فيها في الذي يطلق امرأته تطليقة قبل البناء بها فيطؤها بعد التطليقة ويقول: ظننت أن الواحدة لا تبينها مني وأنه لا يبرئها مني إلا الثلاث أو يطلقها ثلاثا فيطؤها في العدة، ويقول: ظننت أنها تحل لي أنه يعذر بالجهالة فلا يحد ولا يكون عليه إلا صداق واحد فكذلك هذا إذا قال: ظننت أنها لا تبين مني بالثلاث حيض فيصدق في ذلك فلا يحد ولا يكون عليه صداق ويلحقه الولد، وكذلك هي لا تحد إن عذرت بالجهالة، ومن لم يعذر منهما بالجهالة لزمه الحد، فإن لم يعذر واحد منهما بالجهالة حدا جميعا ولم يلحق به الولد ولا كان لها صداق، وإن عذرا جميعا بالجهالة لم يحدا ولحقه الولد ولم يكن لها صداق، وإن عذر هو ولم تعذر هي لحقه الولد ولم يلزمه صداق وحدت هي، وإن عذرت هي ولم يعذر هو حد ولم يلحقه الولد ولم تحد هي وكان لها صداق مثلها. .مسألة يصب العسل على النبيذ: قال محمد بن رشد: قول أصبغ صحيح مبين لابن القاسم لأنه إنما كره أن يصب العسل على النبيذ الحلال الذي لا يسكر من ناحية ما نهي عنه من خلط الشرابين وانتباذ الشيئين معا، فإذا كان النبيذ من العسل جاز أن يخلط بالعسل لأنه منه، وكذلك يبين قول أصبغ، هذا ما وقع في المدونة من أنه لا يصلح للرجل أن يخلط عسلا بنبيذ فيشربه أن معنى ذلك إذا كان النبيذ من غير عسل، وقد وقع في بعض الروايات بنبيذه بإثبات الهاء، فيتأول ذلك على أن الهاء عائدة على الرجل لا على النبيذ فتصح المسألة.
|